سورة الصافات - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الصافات)


        


{أَمْ خَلَقْنَا الملائكة إناثا وَهُمْ شاهدون} وإنما خص علم المشاهدة لأن أمثال ذلك لا تعلم إلا بها، فإن الأنوثة ليست من لوازم ذاتهم لتمكن معرفته بالعقل الصرف مع ما فيه من الاستهزاء، والإشعار بأنهم لفرط جهلهم يبتون به كأنهم قد شاهدوا خلقهم.
{أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ الله} لعدم ما يقتضيه وقيام ما ينفيه. {وَإِنَّهُمْ لكاذبون} فيما يتدينون به، وقرئ: {وَلَدَ الله} أي الملائكة ولده، فعل بمعنى مفعول يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث.
{أَصْطَفَى البنات على البنين} استفهام إنكار واستبعاد، والاصطفاء أخذ صفوة الشيء، وعن نافع كسر الهمزة على حذف حرف الاستفهام لدلالة أم بعدها عليها أو على الإِثبات بإضمار القول أي: لكاذبون في قولهم اصطفى، أو إبداله من {وَلَدَ الله}.
{مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} بما لا يرتضيه عقل.
{أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} أنه منزه عن ذلك.
{أَمْ لَكُمْ سلطان مُّبِينٌ} حجة واضحة نزلت عليكم من السماء بأن الملائكة بناته.
{فَأْتُواْ بكتابكم} الذي أنزل عليكم. {إِن كُنتُمْ صادقين} في دعواكم.
{وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجنة نَسَباً} يعني الملائكة ذكرهم باسم جنسهم وضعاً منهم أن يبلغوا هذه المرتبة، وقيل قالوا إن الله تعالى صاهر الجن فخرجت الملائكة، وقيل قالوا الله والشياطين إخوان. {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجنة إِنَّهُمْ} إن الكفرة أو الإِنس والجن إن فسرت بغير الملائكة {لَمُحْضَرُونَ} في العذاب.
{سبحان الله عَمَّا يَصِفُونَ} من الولد والنسب.
{إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} استثناء من المحضرين منقطع، أو متصل إن فسر الضمير بما يعمهم وما بينهما اعتراض أو من {يَصِفُونَ}.
{فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ} عود إلى خطابهم.
{مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ} على الله. {بفاتنين} مفسدين الناس بالإِغواء.
{إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الجحيم} إِلاَّ من سبق في علمه أنه من أهل النار ويصلاها لا محالة، {وَأَنتُمْ} ضمير لهم ولآلهتهم غلب فيه المخاطب على الغائب، ويجوز أن يكون {وَمَا تَعْبُدُونَ} لما فيه من معنى المقارنة ساداً مسد الخبر أي إنكم وآلهتكم قرناء لا تزالون تعبدونها، ما أنتم على ما تعبدونه بفاتنين بباعثين على طريق الفتنة إلا ضالاً مستوجباً للنار مثلكم، وقرئ: {صَال} بالضم على أنه جمع محمول على معنى من ساقط واوه لالتقاء الساكنين، أو تخفيف صائل على القلب كشاك في شائك، أو المحذوف منه كالمنسي كما في قولهم: ما باليت به بالة، فإن أصلها بالية كعافية.


{وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} حكاية اعتراف الملائكة بالعبودية للرد على عبدتهم والمعنى: وما منا أحد إلا له مقام معلوم في المعرفة والعبادة والانتهاء إلى أمر الله في تدبير العالم، ويحتمل أن يكون هذا وما قبله من قوله: {سبحان الله} من كلامهم ليتصل بقوله: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجنة} كأنه قال ولقد علمت الملائكة أن المشركين معذبون بذلك وقالوا: {سبحان الله} تنزيهاً له عنه، ثم استثنوا {المخلصين} تبرئة لهم منه، ثم خاطبوا المشركين بأن الافتتان بذلك للشقاوة المقدرة، ثم اعترفوا بالعبودية وتفاوت مراتبهم فيه لا يتجاوزونها فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه.
{وَإِنَّا لَنَحْنُ الصافون} في أداء الطاعة ومنازل الخدمة.
{وَإِنَّا لَنَحْنُ المسبحون} المنزهون الله عما لا يليق به، ولعل الأول إشارة إلى درجاتهم في الطاعة وهذا في المعارف، وما في إن واللام وتوسيط الفصل من التأكيد والاختصاص لأنهم المواظبون على ذلك دائماً من غير فترة دون غيرهم. وقيل هو من كلام النبي عليه الصلاة والسلام والمؤمنين والمعنى: وما منا إلا له مقام معلوم في الجنة أو بين يدي الله يوم القيامة، {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصافون} له في الصلاة والمنزهون له عن السوء.
{وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ} أي مشركوا قريش.
{لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مّنَ الأولين} كتاباً من الكتب التي نزلت عليهم.
{لَكُنَّا عِبَادَ الله المخلصين} لأخلصنا العبادة له ولم نخالف مثلهم.
{فَكَفَرُواْ بِهِ} أي لما جاءهم الذكر الذي هو أشرف الأذكار والمهيمن عليها. {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} عاقبة كفرهم.
{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين} أي وعدنا لهم النصر والغلبة وهو قوله: {إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون}.
{وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون} وهو باعتبار الغالب والمقضي بالذات، وإنما سماه كلمة وهي كلمات لانتظامهم في معنى واحد.
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} فأعرض عنهم. {حتى حِينٍ} هو الموعد لنصرك عليهم وهو يوم بدر، وقيل يوم الفتح.
{وَأَبْصِرْهُمْ} على ما ينالهم حينئذ والمراد بالأمر الدلالة على أن ذلك كائن قريب كأنه قدامه. {فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} ما قضينا لك من التأييد والنصرة والثواب في الآخرة، و{سوف} للوعيد لا للتبعيد.
{أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} روي أنه لما نزل {فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} قالوا متى هذا فنزلت.
{فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ} فإذا نزل العذاب بفنائهم، شبهه بجيش هجمهم فأناخ بفنائهم بغتة، وقيل الرسول وقرئ: {نَزَّلَ} على إسناده إلى الجار والمجرور و{نَزَّلَ} أي العذاب. {فَسَاء صَبَاحُ المنذرين} فبئس صباح المنذرين صباحهم، واللام للجنس وال {صَبَاحُ} مستعار من صباح الجيش المبيت لوقت نزول العذاب، ولما كثر فيهم الهجوم والغارة في الصباح سموا الغارة صباحاً وإن وقعت في وقت آخر.
{وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حتى حِينٍ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} تأكيد إلى تأكيد وإطلاق بعد تقييد للاشعار بأنه يبصر وأنهم يبصرون ما لا يحيط به الذكر من أصناف المسرة وأنواع المساءة، أو الأول لعذاب الدنيا والثاني لعذاب الآخرة.


{سبحان رَبّكَ رَبّ العزة عَمَّا يَصِفُونَ} عما قاله المشركون فيه على ما حكي في السورة، وإضافة الرب إلى العزة لاختصاصها به إذ لا عزة إلا له أو لمن أعزه، وقد أدرج فيه جملة صفاته السلبية والثبوتية مع الإِشعار بالتوحيد.
{وسلام على المرسلين} تعميم للرسل بالتسليم بعد تخصيص بعضهم.
{والحمد للَّهِ رَبّ العالمين} على ما أفاض عليهم وعلى من اتبعهم من النعم وحسن العاقبة ولذلك أخره عن التسليم، والمراد تعليم المؤمنين كيف يحمدونه ويسلمون على رسله. وعن علي رضي الله عنه: من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه من مجلسه: سبحان ربك إلى آخر السورة.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ والصافات أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كل جني وشيطان، وتباعدت عنه مردة الجن والشياطين، وبرئ من الشرك وشهد له حافظاه يوم القيامة أنه كان مؤمناً بالمرسلين».

1 | 2 | 3 | 4